شماتة: الفرق بين النسختين
[نسخة منشورة] | [نسخة منشورة] |
وسم: تعديل المحمول المتقدم |
ط إزالة تصنيف:أخلاق إسلامية باستعمال المصناف الفوري |
||
(22 مراجعة متوسطة بواسطة 12 مستخدماً غير معروضة) | |||
سطر 1: | سطر 1: | ||
[[ملف:Eduardo Zamacois y Zabala - Regreso al convento.jpg|300px|تصغير|الرجوع إلى الدير ، لاحظ مجموعة الرهبان يضحكون بينما يكافح الراهب الوحيد مع الحمار. رسم إدواردو زاماكويس زابالا، 1868 1868.]] |
[[ملف:Eduardo Zamacois y Zabala - Regreso al convento.jpg|300px|تصغير|الرجوع إلى الدير ، لاحظ مجموعة الرهبان يضحكون بينما يكافح الراهب الوحيد مع الحمار. رسم إدواردو زاماكويس زابالا، 1868 1868.]] |
||
'''الشماتة''' هي الفرح بمعاناة الآخرين أو فشلهم أو إذلالهم. |
|||
'''الشماتة''' {{إنج|Schadenfreude}} هي شعور بالسعادة أو الرضا عن النفس يأتي من معرفة أو مشاهدة معاناة، فشل، أو إذلال الآخرين. |
|||
== التحليل الفلسفي == |
== التحليل الفلسفي == |
||
في القرن السابع عشر، كتب روبرت برتون في عمله ''تشريح |
في القرن السابع عشر، كتب روبرت برتون في عمله ''تشريح اليأس،'' «من هاتين [القدرتين المرغوبتين بشدة والساخطتين بشدة] تنبعث أحاسيس وتلهفات الغضب، والذي هو رغبة في ال[[انتقام]]، المختلطة؛ الكراهية، والتي هي غضب راسخ؛ الشغف، والذي ينزعج منه هو الذي يؤذي من يحب؛ والشماتة، إحساس مركب مكون من سعادة وكره، عندما نبتهج على أذية تصيب الرجال الآخرين، ونحزن لرخائهم؛ الفخر، حب النفس، التقليد، الحسد، العار، وغيره الكثير». |
||
ذكر ال[[فيلسوف]] [[أرتور شوبنهاور]] الشماتة كأشر ذنب في الشعور الإنساني، قائلاً بشهرة، |
ذكر ال[[فيلسوف]] [[أرتور شوبنهاور]] الشماتة كأشر ذنب في الشعور الإنساني، قائلاً بشهرة، «أن تشعر بالحسد هو أمر إنساني، أن تستمتع بالشماتة هو أمر شيطاني». |
||
يصف الحبر هارولد كوشنر في كتابه ''عندما تحدث الأشياء السيئة للأناس الجيدين'' الشماتة كردة فعل كونية، وحتى صحية، لا يمكن التحكم بها أو كبحها: |
يصف الحبر هارولد كوشنر في كتابه ''عندما تحدث الأشياء السيئة للأناس الجيدين'' الشماتة كردة فعل كونية، وحتى صحية، لا يمكن التحكم بها أو كبحها: «هناك كلمة ألمانية في علم النفس، Schadenfreude، والتي تؤشر إلى ردة فعل الانشراح المخجلة التي نشعر بها عندما يحدث شيءٌ سيءٌ إلى شخصٍ آخر بدلاً منا». ثم يعطي مثالاً ويكتب، «الأناس لا يتمننون السوء لأصدقائهم، ولكنهم لا يمكنهم إلا أن يشعروا برعشة من الجذل لأن الأمر السيء حدث لشخص آخر لا لهم». |
||
كتاب سوزان سونتاغ ''بشأن ألم الآخرين،'' تم نشره في 2003، هو دراسة لقضية كيف أن ألم وسوء حظ البعض يؤثر على الآخرين، تحديداً ما إذا كان من الممكن لتصوير الحرب ولوحات الحرب أن يساعدان كأدوات رادعة للحرب أو، ما إذا كانا فقط يستحثان حس ما من الشماتة في بعض المشاهدين. |
كتاب سوزان سونتاغ ''بشأن ألم الآخرين،'' تم نشره في 2003، هو دراسة لقضية كيف أن ألم وسوء حظ البعض يؤثر على الآخرين، تحديداً ما إذا كان من الممكن لتصوير الحرب ولوحات الحرب أن يساعدان كأدوات رادعة للحرب أو، ما إذا كانا فقط يستحثان حس ما من الشماتة في بعض المشاهدين. |
||
الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك |
الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك«ابتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين، والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو/ وملائم». |
||
==موقف الإسلام من الشماتة== |
==موقف الإسلام من الشماتة== |
||
===تعريف الشماتة=== |
===تعريف الشماتة=== |
||
أصل هذه الكلمة يدل على فرح عدوٍ ببلية تصيب من يعاديه<ref>[الصحاح، الجوهري، 366/1]</ref> |
أصل هذه الكلمة يدل على فرح عدوٍ ببلية تصيب من يعاديه.<ref>[الصحاح، الجوهري، 366/1]</ref> |
||
وقيل الشماتة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن ال[[عداوة]] وال[[حسد]]<ref>[التحرير والتنوير، ابن عاشور، 8/299]</ref> |
وقيل الشماتة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن ال[[عداوة]] وال[[حسد]].<ref>[التحرير والتنوير، ابن عاشور، 8/299]</ref> |
||
===ذكر الشماتة وذمِّها في القرآن الكريم=== |
===ذكر الشماتة وذمِّها في القرآن الكريم=== |
||
{{ |
{{برواز 6|محتوى=قال الله تعالى (في [[سورة الأعراف]]): '''{{قرآن|الأعراف|150}}'''}} |
||
«لا تشمت بي الأعداء» أي: لا تُسِرُّهم. والمعنى: لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي: لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي.<ref>[تفسير الطبري]</ref> |
|||
{{ |
{{برواز 6|محتوى=وقال تعالى (في [[سورة آل عمران]]): '''{{قرآن|آل عمران|12}}'''}} |
||
وذلك لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنَّم<ref>[العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر، 666/2].</ref> |
وذلك لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنَّم.<ref>[العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر، 666/2].</ref> |
||
{{ |
{{برواز 6|محتوى=وقال عز وجل (في [[سورة آل عمران]] أيضًا): '''{{قرآن|آل عمران|120}}'''}} |
||
«تَسُؤْهُمْ»: هذا من الحسد، و«يَفْرَحُواْ بِهَا»: هذا من الشماتة، والحسد والشماتة، صفتان متلازمتان. فالحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت. |
|||
(فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر)<ref>[تفسير الوسيط، للطنطاوي]</ref> |
(فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر).<ref>[تفسير الوسيط، للطنطاوي]</ref> |
||
===في السُّنَّة النَّبويَّة=== |
===في السُّنَّة النَّبويَّة=== |
||
{{اقتباس|عن أبي هريرة رضي الله عنه: (('''أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، <u>ومِن شَمَاتَة الأعداء</u>، ومِن جهد البلاء'''))<ref> |
{{اقتباس|عن أبي هريرة رضي الله عنه: (('''أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، <u>ومِن شَمَاتَة الأعداء</u>، ومِن جهد البلاء''')).<ref>[رواه مسلم، 2707]</ref>}} |
||
(وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ {{صلى الله عليه وسلم}} مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى |
(وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ {{صلى الله عليه وسلم}} مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى. وقال [[ابن بطال]]: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ {{صلى الله عليه وسلم}} مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته).<ref>[مرقاة المفاتيح، المباركفوي، 8/214]</ref> |
||
⚫ | |||
⚫ | |||
=== في كتب العلماء=== |
=== في كتب العلماء=== |
||
- قال [[ابن الكلبي]]: لـمَّا مات رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}، شَمَتَت به نساء [[كندة|كِنْدة]] و[[حضرموت]]، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم<ref>[عيون الأخبار، ابن قتيبة، 133/3].</ref>.: |
- قال [[ابن الكلبي]]: لـمَّا مات رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}، شَمَتَت به نساء [[مملكة كندة|كِنْدة]] و[[حضرموت (محافظة)|حضرموت]]، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم<ref>[عيون الأخبار، ابن قتيبة، 133/3].</ref>.: |
||
{{أبيات| |
|||
{{بداية قصيدة}} |
|||
أبلغ أبا بكر إذا ما جئته\\أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام |
|||
أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً\\وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام |
|||
فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارم\\كالبرق أَوْمَض من متون غمام}} |
|||
{{نهاية قصيدة}} |
|||
- (قال [[ابن بطال]]: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته)<ref name="مولد تلقائيا1">[مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].</ref> |
- (قال [[ابن بطال]]: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته).<ref name="مولد تلقائيا1">[مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].</ref> |
||
وقال [[ابن سيرين]]: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال [[ابن الجوزي]]: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة)<ref>[[الآداب الشرعية]] ل[[ابن مفلح]] (ص1/341)</ref> |
وقال [[محمد بن سيرين|ابن سيرين]]: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال [[ابن الجوزي]]: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة).<ref>[[الآداب الشرعية]] ل[[شمس الدين محمد بن مفلح|ابن مفلح]] (ص1/341)</ref> |
||
- وعن [[عمر بن عبد العزيز]]: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت)<ref>[بريقة محمودية، أبي سعيد الخادمي، 365/3].</ref> |
- وعن [[عمر بن عبد العزيز]]: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت).<ref>[بريقة محمودية، أبي سعيد الخادمي، 365/3].</ref> |
||
===نتائج وعواقب الشماتة=== |
===نتائج وعواقب الشماتة=== |
||
سطر 59: | سطر 57: | ||
1- <u>تضعف روابط المجتمع، وتنشر الفرقة والعداوة بين الناس</u>. |
1- <u>تضعف روابط المجتمع، وتنشر الفرقة والعداوة بين الناس</u>. |
||
(قال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى)<ref name="مولد تلقائيا1" /> |
(قال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى).<ref name="مولد تلقائيا1" /> |
||
2- <u>الشماتة بمن ارتكب |
2- <u>الشماتة بمن ارتكب معصية، أعظم من ذنب مرتكبها</u>: |
||
قال ابن القيِّم: ('''إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته''').. (فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر..)<ref>[مدارج السالكين، 177/1]</ref> |
قال ابن القيِّم: ('''إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته''').. (فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر..).<ref>[مدارج السالكين، 177/1]</ref> |
||
3- <u>قد يبتلي الله الشامت بما شمت به</u>: |
3- <u>قد يبتلي الله الشامت بما شمت به</u>: |
||
قال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ)<ref>[الآداب الشرعية، ابن مفلح، 341/1].</ref> |
قال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ).<ref>[الآداب الشرعية، ابن مفلح، 341/1].</ref> |
||
ويقول [[إبراهيم النخعي]]: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله)<ref>[الجامع بشعب الإيمان، البيهقي، 6353]</ref> |
ويقول [[إبراهيم بن يزيد النخعي|إبراهيم النخعي]]: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله).<ref>[الجامع بشعب الإيمان، البيهقي، 6353]</ref> |
||
4- <u>الشماتة تؤدي إلى قسوة القلب</u>. |
4- <u>الشماتة تؤدي إلى [[قسوة]] القلب</u>. |
||
وقد توعد الله ذوي القلوب القاسية قائلاً: (( |
وقد توعد الله ذوي القلوب القاسية قائلاً: ((فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)) [الزمر-22]. |
||
===حُكْم الشماتة=== |
===حُكْم الشماتة=== |
||
سطر 79: | سطر 77: | ||
'''<u>لا تجوز</u>'''، لما ورد عن سوئها وما تحدثه من فرقةٍ بين الناس، '''ولما تنم عليه من ضعف إيمان ونفاق'''، وقد ذكرنا أعلاه الآيات والأحاديث التي تنهى عنها. |
'''<u>لا تجوز</u>'''، لما ورد عن سوئها وما تحدثه من فرقةٍ بين الناس، '''ولما تنم عليه من ضعف إيمان ونفاق'''، وقد ذكرنا أعلاه الآيات والأحاديث التي تنهى عنها. |
||
إلَّا أن الشماتة في <u>الأعداء المحاربين</u> تجوز، لقوله تعالى (في [[سورة التوبة]]): {{قرآن |
إلَّا أن الشماتة في <u>الأعداء المحاربين</u> تجوز، لقوله تعالى (في [[سورة التوبة]]): {{قرآن|التوبة|14|إلى آية=15}}. |
||
قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم)<ref>[[تيسير الكريم الرحمن]] [[ |
قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم).<ref>[[تفسير السعدي|تيسير الكريم الرحمن]] [[سعدي (توضيح)|للسعدي]] (ص. 331)</ref> |
||
===أسباب الوقوع في الشماتة=== |
===أسباب الوقوع في الشماتة=== |
||
سطر 89: | سطر 87: | ||
2- <u>الحقد والبغض</u>: |
2- <u>الحقد والبغض</u>: |
||
(فإنَّ خُلُق الشماتة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته)<ref> |
(فإنَّ خُلُق الشماتة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته).<ref>[أخلاق المنافقين، يعقوب المليجي، 76].</ref> |
||
3- <u>ضعف الإيمان</u>: |
3- <u>ضعف الإيمان</u>: |
||
{{ |
{{برواز 6|محتوى=قال {{صلى الله عليه وسلم}}: (('''لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه''')).<ref>[البخاري، 13]</ref>}} |
||
4- <u>الكِبْر</u>: |
4- <u>الكِبْر</u>: |
||
قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته، لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب)<ref>[مدارج السالكين، 177/1].</ref> |
قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته، لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب).<ref>[مدارج السالكين، 177/1].</ref> |
||
5- <u>العداوة</u>: |
5- <u>العداوة</u>: |
||
سطر 107: | سطر 105: | ||
فمن صفات المنافقين كانت الشماتة بما يقع للمؤمنين، بل حتى الشماتة برسول الله صلى الله عليه وسلم. |
فمن صفات المنافقين كانت الشماتة بما يقع للمؤمنين، بل حتى الشماتة برسول الله صلى الله عليه وسلم. |
||
وجاء (في [[سورة التوبة]]): '''{{قرآن |
وجاء (في [[سورة التوبة]]): '''{{قرآن|التوبة|50}}''' |
||
القول في تأويل قوله: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)) |
القول في تأويل قوله: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)) |
||
قال [[أبو جعفر]]: (يقول تعالى ذكره لنبيه [[محمد]] {{صلى الله عليه وسلم}}: يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسوء الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه (من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة (ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم)<ref>[الطبري، تفسير سورة التوبة، الآية 50].</ref> |
قال [[أبو جعفر (توضيح)|أبو جعفر]]: (يقول تعالى ذكره لنبيه [[محمد]] {{صلى الله عليه وسلم}}: يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسوء الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه (من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة (ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم).<ref>[الطبري، تفسير سورة التوبة، الآية 50].</ref> |
||
{{ |
{{برواز 6|محتوى=وقال تعالى (في [[سورة النساء]]): '''{{قرآن|النساء|72}}'''}} |
||
(قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: |
(قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: «وإن منكم»، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =«فإن أصابتكم مصيبة»، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =«قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا»، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم).<ref>[تفسير الطبري، سورة النساء، 72].</ref> |
||
===أشعار العرب في ذم الشماتة=== |
===أشعار العرب في ذم الشماتة=== |
||
رَدَّ [[عمر بن الخطاب]] {{رضي الله عنه}} على الشَّامتين في موت النَّبيِّ {{صلى الله عليه وسلم}} فقال<ref>[الروض الأنف، السهيلي، 787/7].</ref> |
رَدَّ [[عمر بن الخطاب]] {{رضي الله عنه}} على الشَّامتين في موت النَّبيِّ {{صلى الله عليه وسلم}} فقال:<ref>[الروض الأنف، السهيلي، 787/7].</ref> |
||
{{أبيات| |
|||
{{بداية قصيدة}} |
|||
وقد قلتُ مِن بعدِ المقالةِ قولةً\\لها في حلوقِ الشَّامتين به بشع |
|||
أَلَا إنَّما كان النَّبيُّ محمدٌ\\إلى أجلٍ وافى به الوقتَ فانقطع}} |
|||
{{نهاية قصيدة}} |
|||
وقال [[نهشل بن حري]]: |
وقال [[نهشل بن حري]]: |
||
{{أبيات| |
|||
{{بداية قصيدة}} |
|||
ومَن يرَ بالأقوامِ يومًا يرونه\\معرَّةَ يومٍ لا تُوَازَى كواكبُه |
|||
فقلْ للذي يُبدي الشماتة جاهلًا\\سيأتيك كأسٌ أنت لا بدَّ شاربُه}} |
|||
{{نهاية قصيدة}} |
|||
وقال [[حارثة بن بدر]]<ref>[التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، 325/3].</ref> |
وقال [[حارثة بن بدر]]:<ref>[التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، 325/3].</ref> |
||
{{أبيات| |
|||
{{بداية قصيدة}} |
|||
يا أيُّها الشَّامتُ المبدي عداوتَه\\ما بالمنايا التي عيَّرت مِن عارِ |
|||
تراك تنجو سليمًا مِن غوائلِها\\هيهاتَ لا بدَّ أن يسري بك السَّاري}} |
|||
{{نهاية قصيدة}} |
|||
ويُعد |
ويُعد أشهرها ما قاله [[العلاء بن قرظة الضبي]]<ref>[http://islamport.com/w/adb/Web/554/100.htm الشعر والشعراء، لابن قتيبة الدينوري. صـ 100] الموسوعة الشاملة {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180911005256/http://islamport.com:80/w/adb/Web/554/100.htm |date=11 سبتمبر 2018}}</ref> وهو خال [[الفرزدق]]: |
||
{{أبيات| |
|||
{{بداية قصيدة}} |
|||
إِذَا ما الدَّهْرُ جَرَّ على أُناسِ\\حَوَادثَهُ أَناخَ بآخَرينا |
|||
فقُلْ للشامتينَ بنا أَفيقُوا\\سَيَلْقَى الشامتُونَ كما لَقينَا}} |
|||
{{نهاية قصيدة}} |
|||
==المراجع== |
==المراجع== |
||
سطر 148: | سطر 142: | ||
{{ضبط استنادي}} |
{{ضبط استنادي}} |
||
{{مشاعر|state=collapsed}} |
|||
{{شريط بوابات |
{{شريط بوابات|علم النفس|ألمانيا|أخلاقيات}} |
||
{{لا للتصنيف المعادل}} |
{{لا للتصنيف المعادل}} |
||
{{الأخلاق في الإسلام}} |
{{الأخلاق في الإسلام}} |
||
[[تصنيف:أخلاق اسلامية]] |
|||
[[تصنيف:أخلاقيات اجتماعية]] |
[[تصنيف:أخلاقيات اجتماعية]] |
||
[[تصنيف:ألم]] |
[[تصنيف:ألم]] |
||
[[تصنيف:إسلام]] |
|||
[[تصنيف:مشاعر]] |
[[تصنيف:مشاعر]] |
||
{{روابط شقيقة}} |
النسخة الحالية 00:18، 22 يونيو 2024
الشماتة هي الفرح بمعاناة الآخرين أو فشلهم أو إذلالهم.
التحليل الفلسفي
[عدل]في القرن السابع عشر، كتب روبرت برتون في عمله تشريح اليأس، «من هاتين [القدرتين المرغوبتين بشدة والساخطتين بشدة] تنبعث أحاسيس وتلهفات الغضب، والذي هو رغبة في الانتقام، المختلطة؛ الكراهية، والتي هي غضب راسخ؛ الشغف، والذي ينزعج منه هو الذي يؤذي من يحب؛ والشماتة، إحساس مركب مكون من سعادة وكره، عندما نبتهج على أذية تصيب الرجال الآخرين، ونحزن لرخائهم؛ الفخر، حب النفس، التقليد، الحسد، العار، وغيره الكثير».
ذكر الفيلسوف أرتور شوبنهاور الشماتة كأشر ذنب في الشعور الإنساني، قائلاً بشهرة، «أن تشعر بالحسد هو أمر إنساني، أن تستمتع بالشماتة هو أمر شيطاني».
يصف الحبر هارولد كوشنر في كتابه عندما تحدث الأشياء السيئة للأناس الجيدين الشماتة كردة فعل كونية، وحتى صحية، لا يمكن التحكم بها أو كبحها: «هناك كلمة ألمانية في علم النفس، Schadenfreude، والتي تؤشر إلى ردة فعل الانشراح المخجلة التي نشعر بها عندما يحدث شيءٌ سيءٌ إلى شخصٍ آخر بدلاً منا». ثم يعطي مثالاً ويكتب، «الأناس لا يتمننون السوء لأصدقائهم، ولكنهم لا يمكنهم إلا أن يشعروا برعشة من الجذل لأن الأمر السيء حدث لشخص آخر لا لهم».
كتاب سوزان سونتاغ بشأن ألم الآخرين، تم نشره في 2003، هو دراسة لقضية كيف أن ألم وسوء حظ البعض يؤثر على الآخرين، تحديداً ما إذا كان من الممكن لتصوير الحرب ولوحات الحرب أن يساعدان كأدوات رادعة للحرب أو، ما إذا كانا فقط يستحثان حس ما من الشماتة في بعض المشاهدين.
الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك«ابتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين، والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو/ وملائم».
موقف الإسلام من الشماتة
[عدل]تعريف الشماتة
[عدل]أصل هذه الكلمة يدل على فرح عدوٍ ببلية تصيب من يعاديه.[1] وقيل الشماتة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد.[2]
ذكر الشماتة وذمِّها في القرآن الكريم
[عدل]قال الله تعالى (في سورة الأعراف): ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ١٥٠﴾ [الأعراف:150]
«لا تشمت بي الأعداء» أي: لا تُسِرُّهم. والمعنى: لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي: لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي.[3]
وقال تعالى (في سورة آل عمران): ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ١٢﴾ [آل عمران:12]
وذلك لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنَّم.[4]
وقال عز وجل (في سورة آل عمران أيضًا): ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ١٢٠﴾ [آل عمران:120]
«تَسُؤْهُمْ»: هذا من الحسد، و«يَفْرَحُواْ بِهَا»: هذا من الشماتة، والحسد والشماتة، صفتان متلازمتان. فالحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت.
(فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر).[5]
في السُّنَّة النَّبويَّة
[عدل](وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ ﷺ مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى. وقال ابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ ﷺ مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته).[7]
وفي الحديث عن النبي ﷺ: ( لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ).[8]
في كتب العلماء
[عدل]- قال ابن الكلبي: لـمَّا مات رسول الله ﷺ، شَمَتَت به نساء كِنْدة وحضرموت، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم[9].:
- (قال ابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته).[10]
وقال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال ابن الجوزي: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة).[11]
- وعن عمر بن عبد العزيز: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت).[12]
نتائج وعواقب الشماتة
[عدل]1- تضعف روابط المجتمع، وتنشر الفرقة والعداوة بين الناس.
(قال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى).[10]
2- الشماتة بمن ارتكب معصية، أعظم من ذنب مرتكبها:
قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته).. (فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر..).[13]
3- قد يبتلي الله الشامت بما شمت به:
قال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ).[14]
ويقول إبراهيم النخعي: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله).[15]
4- الشماتة تؤدي إلى قسوة القلب.
وقد توعد الله ذوي القلوب القاسية قائلاً: ((فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)) [الزمر-22].
حُكْم الشماتة
[عدل]لا تجوز، لما ورد عن سوئها وما تحدثه من فرقةٍ بين الناس، ولما تنم عليه من ضعف إيمان ونفاق، وقد ذكرنا أعلاه الآيات والأحاديث التي تنهى عنها.
إلَّا أن الشماتة في الأعداء المحاربين تجوز، لقوله تعالى (في سورة التوبة): ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ١٤ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ١٥﴾ [التوبة:14–15].
قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم).[16]
أسباب الوقوع في الشماتة
[عدل]1- الجهل بحكمها الشرعي.
2- الحقد والبغض:
(فإنَّ خُلُق الشماتة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته).[17]
3- ضعف الإيمان:
قال ﷺ: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).[18]
4- الكِبْر:
قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته، لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب).[19]
5- العداوة:
((فلا تُشمت بي الأعداء)) [سورة الأعراف: 150].
6- النفاق:
فمن صفات المنافقين كانت الشماتة بما يقع للمؤمنين، بل حتى الشماتة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء (في سورة التوبة): ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ٥٠﴾ [التوبة:50]
القول في تأويل قوله: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ))
قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسوء الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه (من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة (ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم).[20]
وقال تعالى (في سورة النساء): ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ٧٢﴾ [النساء:72]
(قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: «وإن منكم»، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =«فإن أصابتكم مصيبة»، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =«قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا»، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم).[21]
أشعار العرب في ذم الشماتة
[عدل]رَدَّ عمر بن الخطاب على الشَّامتين في موت النَّبيِّ ﷺ فقال:[22]
وقال نهشل بن حري:
وقال حارثة بن بدر:[23]
ويُعد أشهرها ما قاله العلاء بن قرظة الضبي[24] وهو خال الفرزدق:
المراجع
[عدل]- ^ [الصحاح، الجوهري، 366/1]
- ^ [التحرير والتنوير، ابن عاشور، 8/299]
- ^ [تفسير الطبري]
- ^ [العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر، 666/2].
- ^ [تفسير الوسيط، للطنطاوي]
- ^ [رواه مسلم، 2707]
- ^ [مرقاة المفاتيح، المباركفوي، 8/214]
- ^ [رواه الترمذي، (2506)، وقال عنه: حسن غريب، وضعَّفه الألباني]
- ^ [عيون الأخبار، ابن قتيبة، 133/3].
- ^ ا ب [مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].
- ^ الآداب الشرعية لابن مفلح (ص1/341)
- ^ [بريقة محمودية، أبي سعيد الخادمي، 365/3].
- ^ [مدارج السالكين، 177/1]
- ^ [الآداب الشرعية، ابن مفلح، 341/1].
- ^ [الجامع بشعب الإيمان، البيهقي، 6353]
- ^ تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص. 331)
- ^ [أخلاق المنافقين، يعقوب المليجي، 76].
- ^ [البخاري، 13]
- ^ [مدارج السالكين، 177/1].
- ^ [الطبري، تفسير سورة التوبة، الآية 50].
- ^ [تفسير الطبري، سورة النساء، 72].
- ^ [الروض الأنف، السهيلي، 787/7].
- ^ [التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، 325/3].
- ^ الشعر والشعراء، لابن قتيبة الدينوري. صـ 100 الموسوعة الشاملة نسخة محفوظة 11 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
شماتة في المشاريع الشقيقة: | |
|