انتقل إلى المحتوى

شماتة: الفرق بين النسختين

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة المصطلح الانجليزي
سطر 13: سطر 13:


الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك" إبتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين، والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو/ و ملائم".
الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك" إبتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين، والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو/ و ملائم".

==موقف الإسلام من الشماتة==

===تعريف الشماتة===
أصل هذه الكلمة يدل على فرح عدوٍ ببلية تصيب من يعاديه<ref>[الصحاح، الجوهري، 366/1]</ref>.
وقيل الشماتة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن ال[[عداوة]] وال[[حسد]]<ref>[التحرير والتنوير، ابن عاشور، 8/299]</ref>.

===ذكر الشماتة وذمِّها في القرآن الكريم===

{{برواز6|محتوى=قال الله تعالى (في [[سورة الأعراف]]): '''{{قرآن مصور|الأعراف|150}}'''}}

"لا تشمت بي الأعداء" أي: لا تُسِرُّهم. والمعنى: لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي: لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي<ref>[تفسير الطبري]</ref>.

{{برواز6|محتوى=وقال تعالى (في [[سورة آل عمران]]): '''{{قرآن مصور|آل عمران|12}}'''}}

وذلك لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنَّم<ref>[العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر، 666/2].</ref>.

{{برواز6|محتوى=وقال عز وجل (في [[سورة آل عمران]] أيضًا): '''{{قرآن مصور|آل عمران|120}}'''}}
"تَسُؤْهُمْ": هذا من الحسد، و" يَفْرَحُواْ بِهَا": هذا من الشماتة، والحسد والشماتة، صفتان متلازمتان. فالحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت.

(فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر)<ref>[تفسير الوسيط، للطنطاوي]</ref>.

===في السُّنَّة النَّبويَّة===

{{اقتباس|عن أبي هريرة رضي الله عنه: (('''أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، <u>ومِن شَمَاتَة الأعداء</u>، ومِن جهد البلاء'''))<ref> [رواه مسلم، 2707]</ref>.}}
(وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ {{صلى الله عليه وسلم}} مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى . وقال [[ابن بطال]]: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ {{صلى الله عليه وسلم}} مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته)<ref>[مرقاة المفاتيح، المباركفوي، 8/214]</ref>.

{{برواز6|محتوى=وفي الحديث عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}}: ( '''لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك''' )<ref>[رواه الترمذي، (2506)، وقال عنه: حسن غريب، وضعَّفه الألباني]</ref>.}}

===ذكر الشماتة في كتب العلماء===
- قال [[ابن الكلبي]]: لـمَّا مات رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}، شَمَتَت به نساء [[كندة|كِنْدة]] و[[حضرموت]]، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم<ref>[عيون الأخبار، ابن قتيبة، 133/3].</ref>.:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|أبلغ أبا بكر إذا ما جئته|أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام}}
{{بيت|أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً|وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام}}
{{بيت|فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارم|كالبرق أَوْمَض من متون غمام}}
{{نهاية قصيدة}}

- (قال [[ابن بطال]]: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته)<ref>[مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].</ref>.

وقال [[ابن سيرين]]: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال [[ابن الجوزي]]: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة)<ref>[[الآداب الشرعية]] ل[[ابن مفلح]] (ص1/341)</ref>.

- وعن [[عمر بن عبد العزيز]]: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت)<ref>[بريقة محمودية، أبي سعيد الخادمي، 365/3].</ref>.

===نتائج وعواقب الشماتة===

1- <u>تضعف روابط المجتمع، وتنشر الفرقة والعداوة بين الناس</u>.

(قال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى)<ref>[مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].</ref>.

2- <u>الشماتة بمن ارتكب معصية،أعظم من ذنب مرتكبها</u>:

قال ابن القيِّم: ('''إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته''').. (فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر..)<ref>[مدارج السالكين، 177/1]</ref>.

3- <u>قد يبتلي الله الشامت بما شمت به</u>:

قال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ)<ref>[الآداب الشرعية، ابن مفلح، 341/1].</ref>.

ويقول [[إبراهيم النخعي]]: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله)<ref>[الجامع بشعب الإيمان، البيهقي، 6353]</ref>.

4- <u>الشماتة تؤدي إلى قسوة القلب</u>.

وقد توعد الله ذوي القلوب القاسية قائلاً: (( فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)) [الزمر-22].

===حُكْم الشماتة===

'''<u>لا تجوز</u>'''، لما ورد عن سوئها وما تحدثه من فرقةٍ بين الناس، '''ولما تنم عليه من ضعف إيمان ونفاق'''، وقد ذكرنا أعلاه الآيات والأحاديث التي تنهى عنها.

إلَّا أن الشماتة في <u>الأعداء المحاربين</u> تجوز، لقوله تعالى (في [[سورة التوبة]]): {{قرآن مصور|التوبة|14|15}}.

قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم)<ref>[[تيسير الكريم الرحمن]] [[السعدي|للسعدي]] (ص. 331)</ref>.

===أسباب الوقوع في الشماتة===

1- <u>الجهل</u> بحكمها الشرعي.

2- <u>الحقد والبغض</u>:

(فإنَّ خُلُق الشماتة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته)<ref> [أخلاق المنافقين، يعقوب المليجي، 76].</ref>.

3- <u>ضعف الإيمان</u>:

{{برواز6|محتوى=قال {{صلى الله عليه وسلم}}: (('''لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه'''))<ref>[البخاري، 13]</ref> .}}

4- <u>الكِبْر</u>:

قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته، لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب)<ref>[مدارج السالكين، 177/1].</ref>.

5- <u>العداوة</u>:

((فلا تُشمت بي الأعداء)) [سورة الأعراف: 150].

6- <u>النفاق</u>:

فمن صفات المنافقين كانت الشماتة بما يقع للمؤمنين، بل حتى الشماتة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء (في [[سورة التوبة]]): '''{{قرآن مصور|التوبة|50}}'''

القول في تأويل قوله: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ))

قال [[أبو جعفر]]: (يقول تعالى ذكره لنبيه [[محمد]] {{صلى الله عليه وسلم}}: يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسوء الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه (من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة (ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم)<ref>[الطبري، تفسير سورة التوبة، الآية 50].</ref>.

{{برواز6|محتوى=وقال تعالى (في [[سورة النساء]]): '''{{قرآن مصور|النساء|72}}'''}}

(قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: " وإن منكم "، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =" فإن أصابتكم مصيبة "، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =" قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم)<ref>[تفسير الطبري، سورة النساء، 72].</ref>.

===أشعار العرب في ذم الشماتة===

رَدَّ [[عمر بن الخطاب]] {{رضي الله عنه}} على الشَّامتين في موت النَّبيِّ {{صلى الله عليه وسلم}} فقال<ref>[الروض الأنف، السهيلي، 787/7].</ref>:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|وقد قلتُ مِن بعدِ المقالةِ قولةً|لها في حلوقِ الشَّامتين به بشع}}
{{بيت|أَلَا إنَّما كان النَّبيُّ محمدٌ|إلى أجلٍ وافى به الوقتَ فانقطع}}
{{نهاية قصيدة}}

وقال [[نهشل بن حري]]:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|ومَن يرَ بالأقوامِ يومًا يرونه|معرَّةَ يومٍ لا تُوَازَى كواكبُه}}
{{بيت|فقلْ للذي يُبدي الشماتة جاهلًا|سيأتيك كأسٌ أنت لا بدَّ شاربُه}}
{{نهاية قصيدة}}

وقال [[حارثة بن بدر]]<ref>[التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، 325/3].</ref>:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|يا أيُّها الشَّامتُ المبدي عداوتَه|ما بالمنايا التي عيَّرت مِن عارِ}}
{{بيت|تراك تنجو سليمًا مِن غوائلِها|هيهاتَ لا بدَّ أن يسري بك السَّاري}}
{{نهاية قصيدة}}

==المراجع==

{{مراجع|2}}

{{ضبط استنادي}}
{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|ألمانيا|علم النفس}}
{{شريط بوابات|علم النفس|أخلاقيات|إسلام}}
{{بذرة علم نفس}}


{{لا للتصنيف المعادل}}
{{لا للتصنيف المعادل}}
{{الأخلاق في الإسلام}}
{{الأخلاق في الإسلام}}


[[تصنيف:أخلاقيات اجتماعية]]
[[تصنيف:أخلاق اسلامية]]
[[تصنيف:إسلام]]
[[تصنيف:ألم]]
[[تصنيف:ألم]]
[[تصنيف:مشاعر]]
[[تصنيف:مشاعر]]

نسخة 10:23، 24 يوليو 2019

الرجوع إلى الدير ، لاحظ مجموعة الرهبان يضحكون بينما يكافح الراهب الوحيد مع الحمار. رسم إدواردو زاماكويس زابالا، 1868 1868.

الشماتة (بالإنجليزية: Schadenfreude)‏ هي شعور بالسعادة أو الرضا عن النفس يأتي من معرفة أو مشاهدة معاناة، فشل، أو إذلال الآخرين.

التحليل الفلسفي

في القرن السابع عشر، كتب روبرت برتون في عمله تشريح اليأس ، "من هاتين [القدرتين المرغوبتين بشدة والساخطتين بشدة] تنبعث أحاسيس وتلهفات الغضب، والذي هو رغبة في الانتقام، المختلطة؛ الكراهية، والتي هي غضب راسخ؛ الشغف، والذي ينزعج منه هو الذي يؤذي من يحب؛ والشماتة، إحساس مركب مكون من سعادة وكره، عندما نبتهج على أذية تصيب الرجال الآخرين، ونحزن لرخائهم؛ الفخر، حب النفس، التقليد، الحسد، العار، وغيره الكثير".

ذكر الفيلسوف أرتور شوبنهاور الشماتة كأشر ذنب في الشعور الإنساني، قائلاً بشهرة، "أن تشعر بالحسد هو أمر إنساني، أن تستمتع بالشماتة هو أمر شيطاني".

يصف الحبر هارولد كوشنر في كتابه عندما تحدث الأشياء السيئة للأناس الجيدين الشماتة كردة فعل كونية، وحتى صحية، لا يمكن التحكم بها أو كبحها: "هناك كلمة ألمانية في علم النفس، Schadenfreude، والتي تؤشر إلى ردة فعل الإنشراح المخجلة التي نشعر بها عندما يحدث شيءٌ سيءٌ إلى شخصٍ آخر بدلاً منا". ثم يعطي مثالاً ويكتب، "الأناس لا يتمننون السوء لأصدقائهم، ولكنهم لا يمكنهم إلا أن يشعروا برعشة من الجذل لأن الأمر السيء حدث لشخص آخر لا لهم".

كتاب سوزان سونتاغ بشأن ألم الآخرين، تم نشره في 2003، هو دراسة لقضية كيف أن ألم وسوء حظ البعض يؤثر على الآخرين، تحديداً ما إذا كان من الممكن لتصوير الحرب ولوحات الحرب أن يساعدان كأدوات رادعة للحرب أو، ما إذا كانا فقط يستحثان حس ما من الشماتة في بعض المشاهدين.

الفيلسوف وعالم الاجتماع ثيودور أدورنو عرف الشماتة ك" إبتهاج بشكل كبير غير متوقع لعذاب الآخرين، والذي يتم إدراكه كأمر سخيف أو/ و ملائم".

موقف الإسلام من الشماتة

تعريف الشماتة

أصل هذه الكلمة يدل على فرح عدوٍ ببلية تصيب من يعاديه[1]. وقيل الشماتة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد[2].

ذكر الشماتة وذمِّها في القرآن الكريم

قال الله تعالى (في سورة الأعراف):  وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  

"لا تشمت بي الأعداء" أي: لا تُسِرُّهم. والمعنى: لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي: لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي[3].

وقال تعالى (في سورة آل عمران):  قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ  

وذلك لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنَّم[4].

وقال عز وجل (في سورة آل عمران أيضًا):  إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ  

"تَسُؤْهُمْ": هذا من الحسد، و" يَفْرَحُواْ بِهَا": هذا من الشماتة، والحسد والشماتة، صفتان متلازمتان. فالحاسد إذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت.

(فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر)[5].

في السُّنَّة النَّبويَّة

«عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، ومِن شَمَاتَة الأعداء، ومِن جهد البلاء))[6]

(وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى . وقال ابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته)[7].

وفي الحديث عن النبي : ( لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك )[8].

ذكر الشماتة في كتب العلماء

- قال ابن الكلبي: لـمَّا مات رسول الله ، شَمَتَت به نساء كِنْدة وحضرموت، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم[9].:

أبلغ أبا بكر إذا ما جئتهأنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام
أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةًوخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام
فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارمكالبرق أَوْمَض من متون غمام


- (قال ابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته)[10].

وقال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال ابن الجوزي: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة)[11].

- وعن عمر بن عبد العزيز: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت)[12].

نتائج وعواقب الشماتة

1- تضعف روابط المجتمع، وتنشر الفرقة والعداوة بين الناس.

(قال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى)[13].

2- الشماتة بمن ارتكب معصية،أعظم من ذنب مرتكبها:

قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته).. (فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر..)[14].

3- قد يبتلي الله الشامت بما شمت به:

قال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ)[15].

ويقول إبراهيم النخعي: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله)[16].

4- الشماتة تؤدي إلى قسوة القلب.

وقد توعد الله ذوي القلوب القاسية قائلاً: (( فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)) [الزمر-22].

حُكْم الشماتة

لا تجوز، لما ورد عن سوئها وما تحدثه من فرقةٍ بين الناس، ولما تنم عليه من ضعف إيمان ونفاق، وقد ذكرنا أعلاه الآيات والأحاديث التي تنهى عنها.

إلَّا أن الشماتة في الأعداء المحاربين تجوز، لقوله تعالى (في سورة التوبة):  قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ  وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  .

قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم)[17].

أسباب الوقوع في الشماتة

1- الجهل بحكمها الشرعي.

2- الحقد والبغض:

(فإنَّ خُلُق الشماتة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته)[18].

3- ضعف الإيمان:

قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[19] .

4- الكِبْر:

قال ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته، لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب)[20].

5- العداوة:

((فلا تُشمت بي الأعداء)) [سورة الأعراف: 150].

6- النفاق:

فمن صفات المنافقين كانت الشماتة بما يقع للمؤمنين، بل حتى الشماتة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء (في سورة التوبة):  إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ  

القول في تأويل قوله: ((إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ))

قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد : يا محمد، إن يصبك سرورٌ بفتح الله عليك أرضَ الروم في غَزاتك هذه، (25) يسوء الجدَّ بن قيس ونظراءه وأشياعهم من المنافقين، وإن تصبك مصيبة بفلول جيشك فيها، (26) يقول الجد ونظراؤه: (قد أخذنا أمرنا من قبل)، أي: قد أخذنا حذرَنا بتخلّفنا عن محمد، وترك أتباعه إلى عدوّه (من قبل)، يقول: من قبل أن تصيبه هذه المصيبة (ويتولوا وهم فرحون)، يقول: ويرتدُّوا عن محمد وهم فرحون بما أصاب محمدًا وأصحابه من المصيبة، (27) بفلول أصحابه وانهزامهم عنه، (28) وقتل من قُتِل منهم)[21].

وقال تعالى (في سورة النساء):  وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا  

(قال أبو جعفر: وهذا نعت من الله تعالى ذكره للمنافقين، نعتهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووصفهم بصفتهم فقال: " وإن منكم "، أيها المؤمنون، يعني: من عِدَادكم وقومكم، ومن يتشَّبه بكم، ويظهر أنه من أهل دعوتكم ومِلَّتكم، وهو منافق يبطِّئ من أطاعه منكم عن جهاد عدوكم وقتالهم إذا أنتم نفرتم إليهم =" فإن أصابتكم مصيبة "، (34) يقول: فإن أصابتكم هزيمة، أو نالكم قتل أو جراح من عدوكم =" قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدًا "، فيصيبني جراح أو ألم أو قتل، وسَرَّه تخلّفه عنكم، شماتة بكم)[22].

أشعار العرب في ذم الشماتة

رَدَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الشَّامتين في موت النَّبيِّ فقال[23]:

وقد قلتُ مِن بعدِ المقالةِ قولةًلها في حلوقِ الشَّامتين به بشع
أَلَا إنَّما كان النَّبيُّ محمدٌإلى أجلٍ وافى به الوقتَ فانقطع


وقال نهشل بن حري:

ومَن يرَ بالأقوامِ يومًا يرونهمعرَّةَ يومٍ لا تُوَازَى كواكبُه
فقلْ للذي يُبدي الشماتة جاهلًاسيأتيك كأسٌ أنت لا بدَّ شاربُه


وقال حارثة بن بدر[24]:

يا أيُّها الشَّامتُ المبدي عداوتَهما بالمنايا التي عيَّرت مِن عارِ
تراك تنجو سليمًا مِن غوائلِهاهيهاتَ لا بدَّ أن يسري بك السَّاري


المراجع

  1. ^ [الصحاح، الجوهري، 366/1]
  2. ^ [التحرير والتنوير، ابن عاشور، 8/299]
  3. ^ [تفسير الطبري]
  4. ^ [العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر، 666/2].
  5. ^ [تفسير الوسيط، للطنطاوي]
  6. ^ [رواه مسلم، 2707]
  7. ^ [مرقاة المفاتيح، المباركفوي، 8/214]
  8. ^ [رواه الترمذي، (2506)، وقال عنه: حسن غريب، وضعَّفه الألباني]
  9. ^ [عيون الأخبار، ابن قتيبة، 133/3].
  10. ^ [مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].
  11. ^ الآداب الشرعية لابن مفلح (ص1/341)
  12. ^ [بريقة محمودية، أبي سعيد الخادمي، 365/3].
  13. ^ [مرعاة المفاتيح، المباركفوري، 214/8].
  14. ^ [مدارج السالكين، 177/1]
  15. ^ [الآداب الشرعية، ابن مفلح، 341/1].
  16. ^ [الجامع بشعب الإيمان، البيهقي، 6353]
  17. ^ تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص. 331)
  18. ^ [أخلاق المنافقين، يعقوب المليجي، 76].
  19. ^ [البخاري، 13]
  20. ^ [مدارج السالكين، 177/1].
  21. ^ [الطبري، تفسير سورة التوبة، الآية 50].
  22. ^ [تفسير الطبري، سورة النساء، 72].
  23. ^ [الروض الأنف، السهيلي، 787/7].
  24. ^ [التذكرة الحمدونية، ابن حمدون، 325/3].